سورة النساء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {انْظُر} يا محمد، {كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ} يختلقون على الله، {الْكَذِبَ} في تغييرهم كتابه، {وَكَفَى بِهِ} بالكذب {إِثْمًا مُبِينًا}.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} اختلفوا فيهما فقال عكرمة: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله، وقال أبو عبيدة: هما كل معبود يُعبد من دون الله. قال الله تعالى: {أن اعبدوا الله واجتنبوا الطَّاغُوتَ} [النحل- 36]، وقال عمر: الجِبْتُ: السحر، والطاغُوتُ: الشيطان. وهو قول الشعبي ومجاهد. وقيل: الجِبتُ: الأوثان، والطاغوت: شياطين الأوثان. ولكل صنمٍ شيطان، يُعبرِّ عنه، فيغترُّ به الناس. وقال محمد بن سيرين ومكحول: الجبتُ: الكاهن، والطاغوتُ: الساحر. وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبتُ: الساحر بلسان الحبشة، والطاغوتُ: الكاهن. ورُوي عن عكرمة: الجبتُ بلسان الحبشة: شيطان.
وقال الضحاك: الجبت: حُييُّ بن أخطب، والطاغوتُ: كعب بن الأشرف. دليله قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء- 60] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحيٌ أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، أنا أحمد بن منصور الرمادي، أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف العبدي عن حيان عن قَطَن بن قُبيصة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العِيَافَةُ والطَّرْقُ والطِّيَرةُ مِنَ الجِبْتِ».
وقيل: الجبتُ كل ما حرم الله، والطاغوت كلُّ ما يُطغي الإنسان.
{وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبًا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ليُحالِفُوا قريشًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه، ونزلت اليهود في دُور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمَنُ أن يكون هذا مكرًا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}.
ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنّا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربَّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمد ففعلوا.
ثم قال أبو سفيان لكعب: إنّك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أمّيُّون لا نعلم، فأينا أهدَى طريقة، نحنُ أم محمد؟
قال كعب: اعرضُوا عليَّ دينكم.
فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونُعمّر بيتَ ربِّنا ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم، ودينُنا القديم ودينُ محمد الحديث.
فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} يعني: كعبًا وأصحابه {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} يعني: الصنمين {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أبي سفيان وأصحابه {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم {سبيلا} دينا.


{أَمْ لَهُمْ} يعني: ألَهُمْ؟ والميم صلة {نَصِيبٌ} حظ {مِنَ الْمُلْكِ} وهذا على جهة الإنكار، يعني: ليس لهم من الملك شيء ولو كان لهم من الملك شيء، {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} لحسدهم وبخلهم، والنقير: النقطة التي تكون في ظهر النواة ومنها تنبت النخلة، وقال أبو العالية: هو نقر الرجل الشيَء بطرف أصبعه كما ينقر الدرهم.
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} يعني: اليهود، ويحسدون الناس: قال قتادة: المراد بالناس العرب، حَسَدَهم اليهود على النُّبُوَّة، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة: المراد بالناس: رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده حسدوه على ما أحلَّ الله له من النساء، وقالوا: ما له هَمٌّ إلا النكاح، وهو المراد من قوله: {عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقيل: حسدوه على النُّبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآية، {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} أراد بآل إبراهيم: داود وسليمان، وبالكتاب: ما أنزل الله عليهم وبالحكمة النُّبوة {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} فَمنْ فسَّرَ الفضلَ بكثرة النساء فسَّر المُلْكَ العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية، وكان لداود مائة امرأة، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة، فلما قال لهم ذلك سكتوا.
قال الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ} يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه، {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} أعرضَ عنه ولم يؤْمن به، {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} وقودًا، وقيل: المُلْك العظيم: مُلك سليمان. وقال السدي: الهاء في قوله: {مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} راجعة إلى إبراهيم، وذلك أن إبراهيم زرعَ ذات سنة، وزرع الناسُ فهلك زرع الناس وزكا زرع إبراهيم عليه السلام، فاحتاج إليه الناس فكان يقول: من آمن بي أعطيته فمن آمن به أعطاه، ومن لم يؤمن به منعه.


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} ندخلهم نارًا، {كُلَّمَا نَضِجَتْ} احترقت {جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} غير الجلود المحترقة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يبدلون جلودًا بيضاء كأمثال القراطيس.
ورُوي أن هذه الآية قُرئتْ عند عمر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه للقارئ: أعدها فأعادها، وكان عنده معاذ بن جبل، فقال معاذ: عندي تفسيرها: تُبدّل في ساعة مائةَ مرة، فقال عمر رضي الله عنه: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن: تأكلهم النار كلَّ يوم سبعين ألف مرة كلَّما أكلتهم قيل لهم عُودُوا فيعودون كما كانوا.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا معاذ بن أسيد، أنا الفضل بن موسى، أنا الفضيل، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما بين مَنْكِبَي الكافر مسيرة ثلاثة أيّام للراكب المسرع».
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، أنا محمد بن عيسى الجلودي، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أنا مسلم بن الحجاج، أنا شريح بن يونس، أنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن هارون بن سعد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضرْسُ الكافر أو نابُ الكافر مثل أُحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاثة أيام».
فإن قيل: كيف تُعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعصه؟
قيل يُعاد الجلد الأول في كلِّ مرة.
وإنما قال: {جُلُودًا غَيْرَهَا} لتبدُّل صفتها، كما تقول: صنعتُ من خاتمي خاتمًا غيره، فالخاتم الثاني هو الأول إلا أن الصناعة والصفة تبدلت، وكمن يترك أخاه صحيحًا ثم بعد مرة يراه مريضًا دنفًا فيقول: أنا غير الذي عهدتَ، وهو عين الأول، إلا أن صفته تغيرّت.
وقال السدي: يُبدل الجلدُ جلدًا غيره من لحم الكافر ثم يعيد الجلد لحمًا ثم يُخرج من اللحم جلدًا آخر وقيل: يُعذَّب الشخص في الجلدِ لا الجلدُ، بدليل أنه قال: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} ولم يقل: لتذوق وقال عبد العزيز بن يحيى: إن الله عز وجل يُلبس أهل النار جلودًا لا تألم، فيكون زيادة عذاب عليهم، كلّما احترق جلدٌ بدَّلهم جلدًا غيره، كما قال: {سَرَابيلُهم مِنْ قَطِران} [إبراهيم- 50] فالسرابيل تُؤْلمهم وهي لا تَأْلَم. قوله تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16